-A +A
عبدالله الغضوي (إسطنبول) okaz_online@
حديث يتجدد كل يوم حول عودة «داعش» مرة أخرى في سورية، وأن المعركة مع هذا التنظيم لم تنته، مستشهدين بالتجربة العراقية والأفغانية، ومعظم هذه الأحاديث تبدو مجرد هواجس لا تستند إلى معطيات منطقية. إلا أن كل التجارب المذكورة التي تحمل مبررات اجتماعية وموضوعية لعودة نشاط التنظيم، لا يتوفر أي منها في الحالة السورية، ذلك أن الفاتورة التي دفعتها سورية والعراق جراء سيطرة «داعش» كانت أكبر من اللازم، وربما تبقى رواية متوارثة للأحفاد لحجم الدمار والتشرد الذي حل بالبلدين. من الواضح بعد كل ما جرى أن عودة إنتاج «داعش» بالشكل التقليدي القديم القائم على الهيكلة والجغرافيا والمؤسسة أيا كان شكلها، أمر صعب جدا في المرحلة القادمة، ولا مقومات تحمله، بسبب النتائج الكارثية التي خلفها التنظيم على أبناء المنطقة المحليين وما لحق بهم من أذى بسبب سيطرته على مناطقهم، إضافة إلى تمكن قوات سورية الديموقراطية من كسر قوة التنظيم، ناهيك عن حالة الاستعلائية من عناصره العراقية على المهاجرين والسوريين التي تبلورت في الآونة الأخيرة بمنع خروج المدنيين من مخيمات الباغوز وتعريضهم للموت والقصف رغم التحذيرات من قوات التحالف و«قسد». وهناك العديد من المعطيات التي تجعل الحديث عن عودة «داعش» مجددا ضربا من المستحيل، وهم يرتكزون فقط على بعض العمليات الانتحارية والعبوات الناسفة، وهي في ذروة السيطرة الأمنية تقع، فكيف بمناطق خرج منها التنظيم للتو.

ما فعله الجناح العراقي صدع التنظيم ذاته، ويعترف مقاتلو التنظيم بفظاعة وفساد وانتهازية الشخصيات العراقية على المستوى الأيديولوجي.


ويقر العديد من مقاتلي التنظيم المحليين بكراهية كبيرة جدا للجناح العراقي الذي كان يسيطر على كل مفاصل التنظيم، كما أن القيادات السورية التي يمكن الاعتماد عليها في وقت لاحق شبه معدومة، وهذا يمنع إلى حد بعيد التفاف أية خلايا حول قيادات سورية محلية.

انكشف «داعش» في الآونة الأخيرة قبل السقوط عسكريا، وفشلت تجربة الحكم والدولة بالتزامن مع حالة التفكك الداخلي والفساد والتمييز داخل المنظومة، ورأت تلك المجتمعات الخلل والفشل في هذه التجربة، وهي غير مستعدة أن تكون ضحية مرتين، وربما تكون هذه القوى المجتمعية حاجزا قويا ضد ظهور التنظيم إذا توفرت البيئة المناسبة لتأهيلها والاهتمام بخدمة البنية التحتية بعد الدمار. ومع ذلك، قد تكون هناك ملامح نشاط لخلايا نائمة في الفترة القادمة، لكن المسؤولية الكبيرة تقع على المجالس المحلية المرتقبة التي يفترض أن يقوم بإنشائها مجلس سورية الديموقراطية في المناطق المحررة، وإحساس المدنيين بأهمية مشاركتهم في تنظيم حياتهم وتسيير أمورهم منعا لأي حالات تهميش، وربما هذا كفيل بمنع ظهور مظالم جديدة قد تستغلها بعض الخلايا النائمة لتنظيم داعش.

لا بد من إعادة الاعتبار للقوى المحلية لتكون قادرة على صياغة مجتمعها الجديد، ورفع المظلومية والتهميش عن المنطقة عموما، وهذا يتطلب معركة من نوع جديد في شرقي الفرات على وجه التحديد. ولعل الأداء الكردي يحدد أيضا مستوى تفعيل القوى المحلية ومصداقيته، وفي نهاية الأمر لا بد من صدق الولايات المتحدة في الوعود التي قطعتها على القيادات المدينة والعسكرية في دير الزور التي تتلخص في أمرين، الدعم المستمر حتى اجتثاث «داعش»، وعدم السماح بالتمدد الإيراني.